فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإذا تناولنا إفطارنا، فالله هو الذي هيأ لنا من فضله هذا الطعام، فإذا نزلنا إلي الطريق يسر الله لنا ما ينقلنا إلي مقر أعمالنا، وإذا تحدثنا مع الناس فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى ألسنتنا القدرة على النطق بما وهبه الله لنا من قدرة على التعبير والبيان، وهذا يستوجب الحمد. وإذا عدنا إلي بيوتنا، فالله سخر لنا زوجاتنا ورزقنا بأولادنا، وهذا يستوجب الحمد. إذن: فكل حركة في حياة في الدنيا من الإنسان تستوجب الحمد، ولهذا لابد أن يكون الإنسان حامدًا دائمًا، بل إن الإنسان يجب أن يحمد الله على أي مكروه أصابه؛ لأن الشيء الذي يعتبره شرًا يكون عين الخير، فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} [سورة النساء: 19].
إذن فأنت تحمد الله لأن قضاءه خير.. سواء أحببت القضاء أو كرهته فإنه خير لك.. لأنك لا تعلم والله سبحانه وتعالى يعلم. وهكذا من موجبات الحمد أن تقول الحمد لله على كل ما يحدث لك في دنياك. فأنت بذلك ترد الأمر إلي الله الذي خلقك.. فهو أعلم بما هو خير لك.
فاتحة الكتاب تبدأ ب {الحمد لله رب العالمين}.. لماذا قال الله سبحانه وتعالى رب العالمين؟ نقول إن {الحمد لله} تعني حمد الألوهية. فكلمة الله تعني المعبود بحق.. فالعبادة تكليف والتكليف يأتي من الله لعبيده.. فكأن الحمد أولا لله.. ثم يقتضي بعد ذلك أن يكون الحمد لربوبية الله على إيجادنا من عدم وإمدادنا من عدم.. لأن المتفضل بالنعم قد يكون محمودا عند كل الناس.. لكن التكليف يكون شاقا على بعض الناس.. ولو علم الناس قيمة التكليف في الحياة.. لحمدوا الله أن كلفهم بافعل ولا تفعل.. لأنه ضمن عدم تصادم حركة حياتهم.. فتمضي حركة الحياة متساندة منسجمة. إذن فالنعمة الأولى هي أن المعبود أبلغنا منهج عبادته، والنعمة الثانية أنه رب العالمين.
في الحياة الدنيا هناك المطيع والعاصي، والمؤمن وغير المؤمن.. والذين يدخلون في عطاء الألوهية هم المؤمنون.. أما عطاء الربوبية فيشمل الجميع.. ونحن نحمد الله على عطاء ألوهيته، ونحمد الله على عطاء ربوبيته، لأنه الذي خلق، ولأنه رب العالمين.. الكون كله لا يخرج عن حكمه.. فليطمئن الناس في الدنيا أن النعم مستمرة لهم بعطاء ربوبيه.. فلا الشمس تستطيع أن تغيب وتقول لن أشرق ولا النجوم تستطيع أن تصطدم ببعضها البعض في الكون، ولا الأرض تستطيع أن تمنع إنبات الزرع.. ولا الغلاف الجوي يستطيع أن يبتعد عن الأرض فيختنق الناس جميعا..
إذن فالله سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده أنه رب لكل ما في الكون فلا مسيطر على كونه وعلى كل ما خلق.. أنه رب العالمين وهذه توجب الحمد.. أن يهيئ الله سبحانه وتعالى للإنسان ما يخدمه، بل جعله سيدا في كونه.. ولذلك فإن الإنسان المؤمن لا يخاف الغد.. وكيف يخافه والله رب العالمين. إذا لم يكن عنده طعام فهو واثق أن الله سيرزقه لأنه رب العالمين.. وإذا صادفته أزمة فقلبه مطمئن إلي أن الله سيفرج الأزمة ويزيل الكرب لأنه رب العالمين.. وإذا أصابته نعمة ذكر الله فشكر عليها لأنه رب العالمين الذي أنعم عليه. فالحق سبحانه وتعالى يحمد على أنه رب العالمين.. لا شيء في كونه يخرج عن مراده الفعلي.. أما عطاء الألوهية فجزاؤه في الآخرة.. فالدنيا دار اختيار للإيمان، والآخرة دار الجزاء.. ومن الناس من لا يعبد الله.. هؤلاء متساوون في عطاء الربوبية مع المؤمنين في الدنيا.. ولكن في الآخرة يكون عطاء الألوهية للمؤمنين وحدهم.. فنعم الله لأصحاب الجنة، وعطاءات الله لمن آمن.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [سورة الأعراف: 32].
على أن الحمد لله ليس في الدنيا فقط.. بل هو في الدنيا والآخرة.. الله محمود دائمًا.. في الدنيا بعطاء ربوبيته لكل خلقه.. وعطاء ألوهيته لمن آمن به وفي الآخرة بعطائه للمؤمنين من عباده.. واقرأ قوله جل جلاله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} [سورة الزمر: 74].
وقوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَم وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)} [سورة يونس: 10].
فإذا انتقلنا إلى قوله تعالى: {الرحمن الرحيم} فمن موجبات الحمد أن الله سبحانه وتعالى رحمن رحيم.. يعطي نعمة في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبيه، وعطاء الربوبيه للمؤمن والكافر.. وعطاء الربوبية لا ينقطع إلا عندما يموت الإنسان.. والله لا يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا.. ونعم الله لا تعد ولا تحصى ومع كل التقدم في الآلات الحاسبة والعقول الإلكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول أنا سأحصي نعم الله.. لأن موجبات الإحصاء أن تكون قادرا عليه.. فأنت لا تقبل على عد شيء إلا إذا كان في قدرتك أن تحصيه.. ولكن ما دام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فأنك لا تقبل عليه.. ولذلك لن يقبل أحد حتى يوم القيامة على إحصاء نعم الله تبارك وتعالى لأن أحدا لا يمكن أن يحصيها. ولابد أن نلتفت إلي أن الكون كله يضيق بالإنسان، وأن العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر والتسخير يضيق حين يرى العاصين.. لأن المقهور مستقيم على منهج الله قهرا.. فحين يرى كل مقهور الإنسان الذي هو خدمته عاصيا يضيق. وأقر الحديث القدسي لتعرف شيئا عن رحمة الله بعباده.. يقول الله عز وجل: «ما من يوم تطلع شمسه إلا وتنادي السماء تقول يا رب إِأْذن لي أن اسقط كسفا على ابن آدم، فقد طعم خيرك ومنع شكرك. وتقول البحار يا رب إِأْذن لي أن اغرق ابن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك. فيقول الله تعالى دعوهم دعوهم لو خلقتموهم لرحمتوهم أنهم عبادي فإن تابوا إلي فأنا حبيبهم، وأن لم يتوبوا فأنا طبيبهم». رواه الإمام احمد بن حنبل في مسنده.
تلك تجليات صفة الرحمن وصفة الرحيم.. وكيف ضمنت لنا بقاء كل ما يخدمنا في هذا الكون مع معصية الإنسان.. أنها كلها تخدمنا بعطاء الربوبية وتبقى في خدمتنا بتسخير الله لها لأنه رحمن رحيم.. بعض الناس قد يتساءل هل تتكلم الأرض والسماء وغيرها من المخلوقات في عالم الجماد والنبات والحيوان؟ نقول نعم أن لها لغة لا نعرفها نحن وإنما يعرفها خالقها.. بدليل أنه منذ الخلق الأول أبلغنا الحق تبارك وتعالى أن هناك لغة لكل هذه المخلوقات.. واقرأ قوله جل جلاله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)} [سورة فصلت: 11].
إذن فالأرض والسماء فهمت عن الله.. وقالت له سبحانه وتعالى: {أتينا طائعين} ألم يعلم الله سليمان منطق الطير ولغة النملة؟ ألم تسبح الجبال مع داود؟ إذن كل خلق الله له ادراكات مناسبة له.. بل له عواطف.. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالى عن قوم فرعون.. قال: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29)} [سورة الدخان].
إذن فالسماوات والأرض لهما انفعال.. انفعال يصل إلي مرحلة البكاء.. فهما لم تبكيا على فرعون وقومه.. ولكنهما تبكيان حزنا عندما يفارقهما الإنسان المؤمن المصلي المطبق لمنهج الله.. ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان.. موضع في الأرض وموضع في السماء.. أما الموضع في الأرض هو مكان مصلاه الذي أسعده وهو يصلي فيه. وأما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس والثعلبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه قرأ: {الحمد} رأس الشكر، فما شكر الله عبد لا يحمده».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النوّاس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لئن ردها الله لأشكرن ربي»، فوقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة، فوقع في خلدها أن تهرب عليها، فرأت من القوم غفلة فقعدت عليها ثم حركتها فصبحت بها المدينة، فلما رأها المسلمون فرحوا بها، ومشوا بمجيئها حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأها قال: «الحمد لله» فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صومًا أو صلاة؟ فظنوا أنه نسي فقالوا: يا رسول الله قد كنت قلت لئن ردها الله لأشكرن ربي. قال: ألم أقل: «الحمد لله»؟.
وأخرج ابن جرير والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت: {الحمد لله رب العالمين} فقد شكرت الله فزادك».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: {الحمد لله} كلمة الشكر إذا قال العبد: {الحمد لله} قال الله شكرني عبدي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {الحمد} هو الشكر والاستحذاء لله، والاقرار بنعمه، وهدايته، وابتدائه. وغير ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عمر: قد علمنا سبحان الله، ولا إلَه إلا الله، فما الحمد؟ قال علي: كلمة رضيها الله لنفسه، وأحب أن تقال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن كعب قال: {الحمد لله} ثناء على الله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: {الحمد لله} رداء الرحمن.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الجبائي قال: الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تفعله لله شكر، وأفضل الشكر: {الحمد}.
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي في شعب الإِيمان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: {الحمد لله}».
وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبده نعمة فقال: {الحمد لله} إلاَّ كان الذي أعطى أفضل مما أخذه».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد ينعم الله عليه بنعمة إلاَّ كان: {الحمد} أفضل منها».
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلاَّ كان حمد الله أعظم منها، كائنة ما كانت».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الدينا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي، ثم قال: {الحمد لله} لكان الحمد أفضل من ذلك».
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان: {والحمد لله} تملأ الميزان، وسبحان الله تملآن أو تملأ مابين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو. فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها».
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله تملأ الميزان، والله أكبر يملأ ما بين السماء والأرض، والطهور نصف الميزان، والصوم نصف الصبر».
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملأه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه».
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإِيمان عن الأسود بن سريع التميمي قال: «قلت: يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى قال: أما أن ربك يحب الحمد».
وأخرج ابن جرير عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أحب إليه الحمد من الله، ولذلك أثنى على نفسه فقال: {الحمد لله}».
وأخرج البيهقي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التأنّي من الله، والعجلة من الشيطان، وما شيء أكثر معاذير من الله، وما شيء أحب إلى الله من الحمد».